26 - 06 - 2024

اقرأني لتراني | فى البدء كانت الثانوية العامة!

اقرأني لتراني | فى البدء كانت الثانوية العامة!

(أرشيف المشهد)

  • 6-6-2015 | 16:07

الزمان: عشية إمتحانات الثانوية العامة التى تبدأ باللغة العربية

المكان: غرفة معيشة أحد البيوت المصرية

المشهد: الإبن شاب على كرسى وحوله كتب كثيرة ومذكرات يقرأ منها ثم يلخصها..والأم على الكنبة تكتب وراءه فى استسلام..أحيانا تتمدد وتسند الكراس على ركبتها . هو ايضا يغير مكانه كل حين لألم فى ضهره. امامهما أكواب من النيسكافية وزجاجات كثيرة من المشروبات الغازية والمصنوعة من الشعير تتناثر فى فوضى  تذكرك بمشاهد الأفلام العربى وكأنها مشروبات كحولية! المشهد ينقصه دخان السجائر وطفايات ممتلئة ليأخذك إلى رأفت الهجان وهو يعمل متأخراً مع محسن بيه لكن لا احد يدخن فى الغرفة!

الولد: ركزى يا ماما..كل مدرسة فى الأدب عاوزها تتحط فى ورقة واحدة بس!

الأم: يعنى إيه؟

الولد: يعنى تصغرى الخط وتظبطى السطور وتستغلى كل فتفوتة.

الأم: اوعى يا واد تكون بتكتبنى براشيم ! يا واد مايصحش!

الولد: براشيم؟ يا نهار ازرق! براشيم بحجم الورقة الطبيعية؟ طيب حاطلعها فى اللجنة إزاى اصلا؟ يا ماما البراشيم الورق دى موضة قديمة. انا عاوز ورق مختصر اراجع منه الصبح بس، مش عاوز كتير علشان مش أتخض.انا شاطر وحلو وجميل ولذيذ، مش بتاع براشيم ورق!

الأم: طيب ليه عندى احساس إنك بتقرا الكلام ده لأول مرة؟

الولد: يا ماما..يا ماما..بالذمة دى أسئلة تتسئل ليلة الإمتحان؟ أمال استاذة كبيرة وفاهمة ايه؟ ركزى بس معايا الله يهديك وبطلى لعب فى الموبايل..مش كل ما أبص فى الكتاب ألاقيك بتلعبى فى الموبايل..حتضيعونا بقى الله يسامحكم!

 لا ترد الأم بل تقذف بفردة شبشب فى إتجاه الولد يتفاداها بمهارة ويعاود القراءة كأن شيئاً لم يحدث.

الولد: مدرسة المهاجَر..الخصائص..المضمون: يا الله يا ماما..نمنمى الخط بس وضحيه برضه،

جماعتان أدبيتان: تكوّن من مجموع المهاجرين..

الأم: استنى يا حبيبى..إيه تكوّن دى؟ تقصد تتكون؟ ولا تكون؟

الإبن: مافيش أسئلة، زى ما بأقول تكتبى

الأم: طيب فهمنى..أصل دى صيغة غريبة

الإبن: ماهو بصى ( يتكلم ويشير بيده وهو يمد إصبعيه الخنصر والبنصر الى الأمام كمن يشير إلى شيئين او مثنى لشيئين وعلى وجهه جهد جهيد كمن يحاول أن يمسك بفكرة طائرة فى الجو ولا يستطيع ويقول: " بصى..هو فى حاجة كده تنفع لحاجتين..الحالة دى واحدة منهم..انا لسه قاريها لعلمك"

الأم: والله؟ طيب الحمدلله.أنا كنت فاكراهم تلات حاجات! اسمها ايه بقى الحاجة دى يا ننى عينى؟

الابن: العجل ف بطن أمه! يا الله يا ماما بلاش عطلة..هو يعنى المصحح حيقرا؟ يا الله..تكوّن من مجموع المهاجرين مجموعتان : " الرابطة القلمية" فى أمريكا الشمالية..هذه الجماعة كانت تميل الى التجديد والثورة على الشعر التقليدى وبذلك كان شعراؤها حملة مشعل التجديد ..." ثم صمت الولد لحظة وقال لأمه، عارفة يا ماما؟ أهه لو ماكتبتش مشعل التجديد دى ممكن المصحح يتنرفز، وممكن ضغطه يعلا وييجى له سلس بولى، وممكن جدا يسقط الورقة بقىّ!

الأم: إنت تعمل اللى عليك ومالكش دعوة.

الولد: ورينى كده يا ماما انت كاتبة ايه؟ يا لهواااى! ايه الخط المفرشح ده؟ هو هو خط بتوع الأدبى بالزوايا المدورة بقى والحركات!

الأم: لو إتريأت تانى حاقوم واسيبك لوحدك

الولد: طيب قومى أكلينى

الأم: يا كلب ده انت لسه واكل!

الولد: جعاااااااااااااااااااان..جعااااااااااااااان..أعمل ايه يعنى؟ مش حاعرف أشتغل وأنا جعااااااااااااااان.

الأم ( فى سرها) أهه أكل ومرعى وقلة صنعة، عمالين نعلف طول السنة ودروس رايحة ودروس جاية وحاجة نيلة وف الآخر يقول لك الحاجة اللى بتشتغل على اتنين ودى حالة منهم! لا والله!

الولد: بتقولى ايه يا ماما؟ حبينى أكتر من كده لو تسمحى..وجهزى لى بقى حاجة كده لذيذة وطعمة أقوت نفسى بيها!

تدخل الأم المطبخ، ثم تعود بطبق ملئ بالسندوتشات، أثناء غيابها يفتح االولد التليفزيون ويشاهد برنامجاً أجنبياً وتعلو ضحكاته.

الأم: الأكل يا سيدى!

الولد: انت جيتى بسرعة أوى على فكرة! ايه الشطارة دى!

الأم: إخلص انا عينى بتقفل..عاوزة اخلص معاك وانام؟

الولد: طيب حآكل وأقفل بعد ما أخلص أكل، مش قبل كده.

يستمر الولد فى الأكل والمضغ البطئ جدا، كأنه يمارس نوعاً من التعذيب لأمه التى كانت تنظر إليه فى دهشة عجيبة. وبعد وقت طويل إنتهى الأكل وأغلق الولد التليفزيون متحسراً وعادا الى الكتاب.

الولد: يا الله يا ستى، المدرسة الواقعية..بصى يا ماما..انت تبدئى النقط من تحت لفوق، علشان تحددى نفسك بصفحة واحدة..

الأم: افرض الموضوع محتاج أكتر من كده، حتسيب نقط يعنى؟

الولد: أسئلتك مش مريحانى خالص يا ماما! قلنا نشتغل من غير نقاش، فين؟ فين الطاعة؟ وبطلى لعب ف الموبايل، ماوداناش فى داهية غير الفيس بقى!

الأم: يا كلب ياإبن...انا مالى ومال الأدب وقلة الأدب. أنا اخدت الثانوية خلاص بتفوق من 25 سنة، ولاحد كتب لى ولا حد راجع لى و لا اخدت درس فى العربى غير النحو... قاعد ذالل فى أهلى من الصبح، نمنمى ، ظبطى، اكلينى، شربينى، دلعينى، وانت مش عارف حاجة أصلاً. أنا داخلة أنام خلاص

الإبن: كده؟ كده يا ماما؟ حتسيبينى بجد؟

الأم: طبعا أحسن ما يجرى لى حاجة وتتيتموا انت واختك وتيجى لكم مرات أب تطلع عنيكو..مع نفسك يا سوسن!

الولد: لو مرات الأب سورية وبتعرف تطبخ حلو وحادق..ماشى!

تنطلق فردة شبشب أخرى بإتجاهه ويتفاداها بنفس المهارة ونسمع صوت رزع الباب.

مقالات اخرى للكاتب

فى رثاء الخالة: متلازمة الصدمة





اعلان